حوار صحفي مع / جمال عرفة – مستشاراً للتخطيط والتطوير في شركة استثمار المستقبل المحدودة بالمملكة العربية السعودية
في بداية المقابلة يسعدنا أن نلتقي بحضرتك، ونود لو عرفتنا بنفسك وبتاريخك المهني بصورة سريعة
أهلاً بكم، واسمح لي أن أعبر عن سعادتي بهذه المقابلة، والتي أرجو أن تمثل إضافة لكل من يطلع عليها كما هو الحال دوماً عبر موقعكم الرائع.بعد تخرجي من كلية الهندسة عملت لفترة قصيرة في مصنع الطائرات بالهيئة العربية للتصنيع، ثم انتقلت إلى خدمة ما بعد البيع في إحدى الشركات بالإسكندرية، ومن ثم سافرت إلى المملكة العربية السعودية، وبعد ما يقرب من عامين انتقلت إلى مجال الإدارة حيث عملت مديراً لخدمة ما بعد البيع لعدة سنوات، ثم عدت إلى مصر والتحقت بمجموعة شركات العربي (توشيبا) فتدرجت من المسئولية عن علاقات العملاء إلى مديرٍ للتطوير والجودة، ثم رئيسٍ للإدارة الإستراتيجية وإدارة المعرفة بالمجموعة.
وفي العام 2013 قررت الاستقلال، وعمِلت لفترة مديراً للعمليات وقائداً لفريق الاستشارات في إحدى شركات الاستشارات بالإسكندرية، ثم أنشأت شركة في الاستشارات والتدريب بالقاهرة، ومؤخراً انتقلت مستشاراً للتخطيط والتطوير في شركة استثمار المستقبل المحدودة بالمملكة العربية السعودية حيث تلاقت اهتماماتي في العمل الاحترافي والعمل الخيري سوياً في ذات المهمة. في أثناء ذلك حصلت على الماجستير في إدارة الأعمال الدولية، وعملت بشكلٍ تطوعي عضواً في مجموعات عمل التخطيط الإستراتيجي لكيانين على المستوى الوطني، كما ساعدت في بعض الأعمال المتعلقة بتطوير البيئة بجانب أيضاً المشروعات الاستثمارية في مصر.
كما حدث معك،يتحول الكثير من المهندسين إلى العمل بمجالات أخرى غير الهندسة حتى أصبح العديد منهم استشاريين وخبراء إداريينومديري أعمال واقتصاديين عظماء، وهنا يأتي السؤال:
1. ما هي العلاقة بين الإدارة والهندسة؟ وما المجال الذي يؤثر أكثر على الآخر؟ وكيف استفدت من دراسة الهندسة في عملك في الإدارة؟
أذكر في آخر محاضرة لنا في كلية الهندسة حينما قال لنا أستاذنا أننا قد لا نستخدمكل ما تلقيناه خلال الخمس سنوات من الدراسة في حياتنا العملية بعد التخرج، ولكن أهم ما تعلمناه هو التفكير المنهجيوالطريقة المنطقية في حل المشكلات، وهذا بالفعل ما يمكِّن المهندس من العمل والتميز في مجالات الإدارة والاقتصاد وغيرها، حيث الحياة العملية تمثل عدداً من المشكلات أو المواقف التي تتطلب منهجية التفكير ومنطقيته، بالإضافة إلى أن الهندسة تعلمنا أن هناك معطيات واختيارات للحلول ومن ثم نتائج، وهذا هو منهج العملية، وهو أيضاً الأساس في عملية حل المشكلات واتخاذ القرار، وهذا يمثل جانباً كبيراً في المسألة الإدارية والتطويرية.
أما عن التأثير فهو بالتأكيد متبادل، حيث تساعد الطرق المنطقية التي نتعلمها في الهندسة في التفكير وتصميم وتطوير العمليات الإستراتيجيةوالإدارية كما ذكرنا، بينما على الجانب الآخرفتحتاج مجالات الهندسة المختلفة إلى إدارة ناجحة كي تحقق الغرض المخطط منها. وكلامنا هذا لا يعني أن النجاح في مجالات الإدارة هو أمر مقصور فقط على المهندسين، حيث يوجد عدد لا حصر له منالنماذج الإدارية الرائعة التي لم يدرس أصحابها الهندسة يوماً ما، فالأمر يتعلق بالقدرات الذهنية والشخصية والأنظمة المتبعة في المقام الأول، ولكن دراسة الهندسة هي عامل مساعد على النجاح والتميز كما ذكرنا.
2. متى وكيف تم اكتشاف أن مجال الإدارةهوالأنسب لمشوارك المهني؟
بدايتي في الإدارة كانت عام 1994 حيث تحولتمن مهندس صيانة إلى مديرٍ لفريق العمل لخدمة ما بعد البيع، والحقيقة أن القرار لم يكن بتلك السهولة حيث كنت أستمتع كثيراً بعملي كمهندس، ولكني وجدت أن ذلك التحول قد وافق توجهاً في نفسي نحو استشراف الصورة الأشمل والتي تحوي باقي الأنشطة المصاحبة لعملية تحقيق الخدمات والمنتجات والعلاقة مع العملاء، ووجود آفاق متسعة لتطوير العمل بشكلٍ متكامل بعيداً عن الدائرة الضيقة لأحد هذه الأنشطة، ومن هنا بدأ اهتمامي وشغفي بنظم الإدارة والإدارة الإستراتيجية.
3. نريد أن نتحدث عن مجال الموارد البشرية كجزءٍ من الإدارة، لماذا ظهر مجال الموارد البشرية بشكل مناقض لنفسه فيالمؤسسات والشركات في مصر؟ ولماذا لم يطبَّق بشكل صحيح حتى الأن؟
الحقيقة أن المسألة لا تتعلق بالتناقض بقدر ما تتعلق بقصور في الفهم وفجوة في التطبيق. حيث كان المفهوم السائد للموارد البشرية في معظم الكيانات هو مفهوم شؤون الموظفين فقط، حتى أن هذا النشاط غالباً ما كان يتبع إدارات الشؤون المالية والإدارية. وعندما بدأت مفاهيم الموارد البشرية تنتشر في مصر كتوجهٍ عام؛ لم يصاحب ذلك فهم واضح لطبيعة أنشطتها ودورها المحوري في إحداث التطور والاستدامة، وذلك لدى الأطراف الثلاثة ذوي العلاقة، وهم أولاً أصحاب القرار من مجالس الإدارات والمديرين التنفيذيين، وثانياً القائمين على النشاط:من مديري وموظفي الموارد البشرية، وثالثاً العاملون المستفيدون من خدمات الموارد البشرية.
صاحَب ذلك نقص في دعم الإدارة العليا للنشاط، وعدم تأهيل كافٍ لموظفي الموارد البشرية، وسقف توقعات عالٍ من قبل الموظفين، ومقارنة ظالمة من كل الأطراف بين عناوين تمثل الوضع المثالي لمخرجات نشاط الموارد البشرية وما يحدث فعلياً على أرض الواقع. وبالرغم من تأخرنا الشديد في تطبيق المفاهيم الصحيحة للموارد البشرية، إلا أنني أرى أن الصورة مبشرة إلى حد كبير في ظل بداية انتشار المفاهيم المناسبة عن الموارد البشرية ومدى أهميتها، ويساعد على ذلك إقامة الفعاليات والمؤتمرات المتخصصة المهتمة بهذا الشأن وكذلك وجود العديد من المواقع الإلكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي المتخصصة والتي تسعى إلى نشر ثقافة الموارد البشرية، ونشر التطبيقات المختلفة لها، ومساعدة المتخصصين فيها في تطوير أدائهم وتحسين خدماتهم.
4. ما هي المشاكل المشتركة بين الموارد البشرية والإدارة؟ وما هي الحلول الجذرية التي يمكن تطبيقها على أرض الواقع من وجهة نظرك؟
العنصر البشري هو الأساس في أداء كافة الأعمال وتطويرها ومدى استدامتها، وبالتالي هو الهم المشترك بين إدارة الموارد البشرية والإدارة العليا للمنظمة أو الشركة. ونحن نعاني من غياب التخطيط الاستراتيجي بشكلٍ عام، والتخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية بوجهٍ خاص. حيث يتوجب وجود رؤية استراتيجية واقعية وطموحة في ذات الوقت للموارد البشرية تنطلق من الرؤية الشاملة للمنظمة، ورؤية الموارد البشرية وخططها إن وضعت بشكل مناسب فإنها سوف تكون اللاعب الأول في تحقيق رؤية المنظمة، وهذا ما لا تفطن إليه الإدارة العليا في العادة. وبالتالي يجب الاهتمام بعملية التخطيط الاستراتيجي للمنظمة، والتخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية مع توافر المرونة الكافية والقدرة على المناورة طبقاً لمتغيرات السوق ومتطلبات العملاء التي قد تكون شديدة التسارع في بعض مجالات الأعمال.
أيضاً لابد من العمل على رأب الفجوة بين متطلبات التوظيف لدى وحدات الأعمال المختلفة سواء من حيث نوعية الكفاءات المستهدفة أو من حيث توقيت التوظيف -حيث الزمن غالباً هو عاملٌ هام وحاسم في عملية التوظيف – وبين معايير وإجراءات الموارد البشرية التي قد تعرقل الحاجة الملحة، أو تستقطب كفاءاتٍ غير مناسبة. وهناك العديد من النماذج التي من الممكن الاستعانة بها لحل هذه الإشكالية، وإن كنت أميل إلى نموذج شريك الأعمال من الموارد البشرية (HR BusinessPartner) والذي يتيح الفهم الكامل لمتطلبات وحدة الأعمال وبالتالي إدارة عمليات الاستقطاب والتأهيل من خلالها بشكل أكثر مرونة وفهم وسرعة.
5. بما أنك الأن تعمل فيإحدى دول الخليج، ما هيأوجه الإختلاف والتشابه في تطبيق الإدارة بينمصر ودول الخليج؟
الإدارة العربية بوجه عام تعاني من مشاكل عديدة مشتركة، وتكاد تكون متشابهة بين معظم الأقطار العربية. وأمراض الإدارة العربية معروفة لدى الجميع، ويتبقى الاعتراف بها ومن ثم العمل على علاجها. وقد ذكرت بعض هذه الأمراض في مقالٍ بعنوان “أمراض الإدارة العربية غيض من فيض”، إلا أن الأمر في أوله وآخره منوط بالإدارة العليا للمنظمات والشركات سواء تلك الكبرى أو الصغيرة والمتوسطة. وأتصور أن الجانب الأكبر في هذا القصور يتعلق بأشخاص الإدارة العليا بشكلٍ خاص سواءً على مستوى المَّلاك ومجالس الإدارات أو الإدارة التنفيذية. والأمر موضع ألمٍ كبير، وفيه تفصيل كثير، إلا أننا نود أن ننبه ونركز على أهمية نشر ثقافة الاعتراف بالحقائق التي قد تكون مؤلمةًأحياناً وتتعلق بالقصور في الأداء، ونشرثقافة أن لا “عيب” هناك في أن يحضر هؤلاء المديرون دورات تأهيلية أو ورش عمل تمكنهم من أدواتهم وترفع من مستوى فاعليتهم وقدراتهم الإدارية بمفاهيمها الحديثة والمناسبة.
6. ما رأيك فيالإقبال الشديد على الالتحاق بماجستير إدارةالأعمال المصغر؟ومن الذي يتطلب منه الحصول عليه؟ وهل ستضيف إلى من يحصل عليهأمأنه تجارة قصيرة الأجل للمراكز والمعاهد التي تتبناها؟
هذه كلها مسميات تجارية بالأساس، فالدرجات العلمية مثل الماجستير والدكتوراه لها معايير محددة ومعروفة لدى الجميع، وتمنحها معاهد وكليات معترف بها وبشهاداتها. أما ما يحدث على ساحة التدريب حالياً فهي أمور في واقع الأمر تحتاج إلى مراجعة، وإلى عودة المصداقية للعملية برمتها. وقد تكون القيمة العلمية التي تقدم في تلك الدورات هي قيمة حقيقية وإضافة إلى معارف ومهارات المتدرب، ولكن يتوجب تسمية الأشياء بمسمياتها الصحيحة منعاً للتلبيس وما يمكن أن يندرج تحت عناوينها من قبيل الغش التجاري وغيرها. والحقيقة أن الأمر مرتبطٌ بشكلٍ أساسي بالاحتياج، وبمناسبة ما يقدم لبيئة العمل وجودته. إلا أننا وعلى كل المستويات نحتاج وبشدة إلى دراسة إدارة الأعمال المرتبطة بالواقع العملي التطبيقي، وليس بعناوين نظرية أو أكاديمية خالصة.
7. ما هي المعايير التي تستخدمها للاختيار في إدارة الموارد البشرية فيمؤسستك؟ وكيف يمكن أن تقيس مدى نجاح هذه المعايير؟
نمر الأن بمرحلة جديدة بالشركة حيث يتم تحديث البناء المؤسسي وإعادة الهيكلة من خلال خطة استراتيجية يتم تكوينها بدعم كبير من الإدارة العليا، وقد اتفقنا على مجموعة من المبادئ الأساسية التي تحكم عملية البناء الهيكلي واختيار الكفاءات البشرية أهمها أن الإنسان هو أهم عنصر على الإطلاق في المنظومة، وبالتالي نوليه اهتماماً خاصاًعند تحديد الغايات والأهداف الاستراتيجية، ومن هذه الأرضية تم التوافق على مجموعة من المعايير عند الاختيار أو إعادة الهيكلة تتمثل في أن الموارد البشرية المناسبة هي أغلى ما نملك، وأن ندرس المهام والوظائف المطلوبة جيداً، ونحدد المواصفات الشخصية والمهارية والعلمية المطلوبة بشكلٍ دقيق، ومن ثم تتم عملية الاستقطاب والاختيار بتريثٍ ودون استعجال بحيث نختار الأشخاص المناسبين والذين تتوافر لديهم سمات الشخصيةالإيجابيةوالتي من أهمها الشغف والهمة العالية والرغبة في النجاح والتفوق، ثم تأتي بعد ذلك المهارات والمعارف المطلوبة، والسبب في هذا الترتيب هو أن السمات الشخصية هي التي تحدد أداء الشخص ومدى قدرته على دعم المنظمة ورسم مستقبلها. وهذه السمات عادة ما تكون أصيلة في الشخص ومن الصعب إكسابها أو تعليمها، بينما يمكن بالتدريب والتأهيل رفع قدرات الشخص المهارية والعلمية. أيضاً نركز على أن يتم تصميم أنظمة التحفيز بحيث يكون هدفها الرئيس هو اجتذاب الأشخاص المناسبين والحفاظ عليهم والذين يستطيعون تحقيق نتائج ممتازة ومستدامة.
8. بماذا تنصح الشباب الذي يطمح إلى دخول مجال الإدارة الاستراتيجية والتخطيط في بداية مشوارهالمهني؟
أكِن احتراماً كبيراً لهذا الجيل من الشباب، ولا يمكن أن أخفي أنني تعلمت وأتعلم منه الكثير سواء على الصعيد المهني أو على الصعيد الشخصي، وقد مررت بالعديد من التجارب الشبابية التي من الممكن أن يصنف أغلبها تحت عنوان ريادة الأعمال، وهؤلاء – مِمن يملكون أفكاراً رائعة قابلة للتطبيق تدر أرباحاً أو نفعاً مجتمعياً – هم من يرسمون مستقبل هذه البلاد. هؤلاء يستخدمون نماذج أعمالٍ وطرقاً مبتكرة في الإدارة تتميز بالمرونة الشديدة والقدرة على التعامل مع متغيرات السوق المتسارعة بشكل كبير.
وعندما نتحدث عن الإدارة الاستراتيجية والتخطيط الاستراتيجي كأحد مكوناتها؛ فإنني أفضل استخدام الإدارة الاستراتيجية كأداة رئيسة في اتخاذ القرارات المتعلقة بمستقبل الكيان أو الشركة، وليس فقط عند الشروع في عملية وضع الخطط الاستراتيجية. وبالتالي فإن توصيتي لهؤلاء الشباب أن يدرسوا ويتدربوا على الأدوات المستخدمة في عمليات الإدارة الاستراتيجية من تقييم للمتغيرات الداخلية والخارجية، وطرق اتخاذ القرار، وكيفية التفاعل المرن والسريع مع متغيرات السوق ومتطلبات العملاء. وفي جميع الأحوال فإن دراسة إدارة الأعمال عموماً، ومن ثم المرور على مجالات الإدارة المختلفة وبخاصة التسويق والموارد البشرية، ومتابعة الجديد فيها من شأنه أن يكون عاملاً مساعداً في القدرة على التخصص في التخطيط والإدارة الاستراتيجية بوجه عام.
9. لماذا تتسع الفجوة ما بين رؤساء مجلس الإدارة والملاّك وما بين القائمين بالإدارة الوسطى والموظفين؟
هذه الفجوة تعد واحدة من الأمراض الشهيرة للإدارة العربية، وسبب رئيس في انخفاض الكفاءة والفاعلية في العديد من منظماتنا. نحن في المنطقة العربية نعاني من اتساع المسافة بين السلطة العليا وباقي الفئات، فيما يسمى بالـ (Power Distance)، وهذا ناتج عن ثقافة سائدة سواء على مستوى الحكومات والشعوب أو على مستوى المنظمات بمختلف أنواعها. والمسبب الرئيس في هذه المشكلة هي الإدارة العليا. حيث يكون في الغالب النظر إلى الموظفين على أنهم مجموعة من المنفذين لمهام فنية أو إدارية فقط، وليسوا شركاء في اتخاذ القرار أو في بناء الاستراتيجيات والنظم، والتفاعل مع متغيرات السوق. كذلك من مسببات هذه الفجوة نظم الهيكلة والاتصالات الغير مناسبة في كثير من الأحيان لطبيعة عمل المنظمة ومتطلبات العملاء ومتغيرات السوق، وهذا يتطلب ضرورة أن يحيط مسؤولو الموارد البشرية بطبيعة النشاط بشكل كامل، وأن يتفهموا طبيعة وحراك السوق قبل أن ينفذوا عملية الهيكلة التي قد تكون نمطية وتعتمد عوامل دون الأخرى.
10. ما هي الحلول المبتكرة لحل مشاكل سوء الإدارة بكل معانيها في مصر من وجهة نظرك؟
عندما نتحدث عن الحلول المطلوبة لمشكلة سوء الإدارة في بلد ما فالأمر يختلف كثيراً عن حلول تخص منظمة أو شركة. المشكلة لا تتعلق بإدارة الشركات والمؤسسات فقط، ولكنها تؤثر وبشكلٍ مباشر على كل مناحي الحياة مروراً بمستوى رفاهية المواطن وصولاً إلى مستقبل الوطن ذاته، ولهذا فإنه تتداخل فيها أطراف عدة منها الإرادة والدعم الحكوميين، ومنظمات المجتمع المدني، وتجمعات رجال الأعمال والغرف التجارية والصناعية، وعموماً كل المهتمين بالشأن الإداري في البلد.والمسؤولية عن هذه المشكلة للأسف مسؤولية تاريخية وتتعلق بشكل كبير بالثقافة السائدة، وبقدرة الأطراف المؤثرة على التعامل بإيجابية وتكامل فيما بينها للاعتراف بها والتعريف الصحيح لها ومن ثم وضع الحلول والمبادرات اللازمة والمناسبة.
نعم نستطيع الإجابة على هذا السؤال بعناوين جاذبة، ولكنها في الواقع ستكون غير عملية، ولا يمكن تطبيقها دون تداخل وتكامل كل الأطراف.ولكن يجب أن نشير إلى دورٍ هام جداً للكيانات والأشخاص الفاعلين الذين لديهم الرغبة والقدرة على إحداث تأثير، ولو استغرق ذلك وقتاً طويلاً، عن طريق أدوات مختلفة مثل التوعية المستمرة باستخدام وسائل التواصل وورش العمل والمنتديات والمؤتمرات والتي تركز على إحياء الدور الفاعل للإدارة وإعادة المديرين إلى وظيفتهم الحقيقية.
11. كونك تعمل في الاستشارات الإدارية والاستراتيجية في مجال الأوقاف؛ نرجو أن تلقي لنا الضوء على هذا المجال ومدى أهميته في الوقت الحاضر
مفهوم الوقف هو “حبس الأصل وتسبيل الثمرة”، فإذا كان لدى المنظمة أو الفرد فائض من مال أو أصول فإنه يوقفه بحيث تنتقل ملكيته إلى الله عز وجل، فلا يحل بيعه أو التصرف فيه لمصلحة شخصية، ويخصص العائد من هذا المال أو الأصل للمصارف الخيرية أو المجتمعية. وقد تصدًر الوقف جهود العمل الخيري على مر التاريخ حيث كان له الدور الأكبر في التصدي للمشكلات المجتمعية الناتجة عن الفقر والعوز، بل وساهمت إنجازات القطاع الوقفي في تحقيق نتائج تنموية هائلة، ففي تاريخ الحضارة الإسلامية سجلت مؤسسات الوقف بصماتها الواضحة حيث كان الوقف هو الممول الرئيس للكثير من المرافق كالتعليم والصحة والرعاية الاجتماعية ومؤسسات الفكر والثقافة ومنشآت الاقتصاد وغيرها.
فنجد أن الدولة الأموية والعباسية والعثمانية قد أولت اهتمامها الأول لجانب التنظيم والأمن والدفاع، بينما تُرك تطوير المجتمع الداخلي للعلماء والمتخصصين وأهل الخير عن طريق الوقف، فتنوعت أوجهه، وانتشرت مفاهيمه وأقبل القادرون على المساهمة فيه، حتى صار ثقافة مجتمعية تساندها الدولة بمفهوم التعاضد من أجل التنمية والتقدم. والحقيقة أن مفاهيم الوقف وتطبيقاته بدأت في العودة والانتشار في الكثير من الدول العربية والإسلامية فضلاً عن تجارب وقفية شهيرة في أوروبا وأمريكا، وما نفعله في شركتنا هو المساعدة في نشر ثقافة الوقف وانتشارها وتوسيع قاعدته، ومساعدة الأشخاص والمنظمات المانحة على التخطيط لمشاريعهم الوقفية، والعمل على حسن إدارتها لتحقق الغاية التي أقيمت لأجلها، مع العمل على تنوع مصارف الوقف لتشمل تطبيقات جديدة مثل البحث العلمي وتطبيقات التكنولوجيا المختلفة. وأرجو أن تعود ثقافة الوقف إلى مجتمعنا في مصر الرائدة تاريخياً في مجال الأوقاف، حيث الوقف هو القطاع الثالث إلى جانب القطاع الحكومي والقطاع الخاص الذي يمكنه إحداث تغيير حقيقي، ويستطيع أن يعين الدولة على تحقيق أهداف التنمية والتطوير التي نحلم كلنا أن تتحقق لوطننا.
12. في النهاية نودأن نعرف ما هو الدرس الأغلىالذي تعلمته من حياتك المهنية والشخصية؟
الحقيقة هناك درسان هما الأكثر تأثيراً في حياتي؛ أولهما أني تعلمت أن العمل ليس هو الحياة بأكملها، للأسف كثير منا يقع في هذا الفخ، ولا يستفيق إلا بعد أن تتحقق العديد من الخسائر. يجب أن نعلم أن النجاح ليس فقط هو نجاحنا في العمل، بل في علاقتنا مع الله عز وجل، وفي علاقتنا بأسرتنا، وعلاقاتنا الاجتماعية، واهتمامنا بأرواحنا وأجسادنا، وغيرها من مناحي الحياة التي يجب أن نحقق التوازن بينها قدر استطاعتنا.
والدرس الثاني وهو أن لا منصب ولا مرحلة عمرية يتوقف عندهما الإنسان عن التعلم، سواءً كنت تنفيذياً أو مديراً أو عضواً أو رئيساًلمجلس إدارة أو مالكاً لشركة، وسواءً كنت عشرينياً أو خمسينياً أو سبعينياً، فلا يجب أن تتوقف عن تحصيل العلم وتطوير قدراتك واستشراف الجديد في مجال عملك،يجب عليك ألا تتوقف أبداً.